١٠٠ X ١٠٠الكروس ميديا

“المومياء”.. تحفة فنية تجسد روح مصر القديمة في السينما المعاصرة

في عالم السينما المصرية الزاخر بالأعمال الخالدة، يبرز فيلم “المومياء” للمخرج شادي عبد السلام كلؤلؤة نادرة تجمع بين الإبداع الفني والعمق التاريخي، في هذا الصدد نسلط الضوء على هذا العمل الاستثنائي الذي أعاد تعريف مفهوم الفيلم التاريخي في السينما العربية، وترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن السابع.

عبقري متعدد المواهب

لم يكن شادي عبد السلام مجرد مخرج سينمائي، بل كان فنانًا شاملًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولد في الإسكندرية عام 1930، وجمع في شخصيته بين الفنان التشكيلي والمصمم السينمائي والمخرج الرؤيوي.

درس المسرح في لندن، وعمل مع كبار المخرجين مثل يوسف شاهين، مما أثرى تجربته الفنية وصقل موهبته.

يعد فيلم “المومياء”، الذي أنتج عام 1969، تجسيدًا حيًا لرؤية عبد السلام الفنية، يستند الفيلم إلى قصة حقيقية عن اكتشاف كنز من المومياوات الملكية في الأقصر خلال القرن التاسع عشر، إلا ان عبد السلام تجاوز مجرد السرد التاريخي ليقدم عملًا فنيًا يتأمل في قضايا الهوية والتراث والصراع بين القيم القديمة والحديثة.

صور أرشيفية لأسكتشات شادى عبدالسلام وفيلم المومياء

ما يميز “المومياء” حقًا هو جماله البصري الاستثنائي، كل مشهد في الفيلم مصمم بعناية فائقة، حيث استخدم عبد السلام خبرته كفنان تشكيلي لخلق تكوينات بصرية مذهلة، إذ أن الألوان الهادئة والإضاءة الخافتة تخلق جوًا من الغموض والرهبة، يعكس روح مصر القديمة.

الحركة البطيئة للكاميرا وزوايا التصوير المدروسة تضفي على الفيلم إيقاعًا خاصًا، يجعل المشاهد يشعر وكأنه يتجول في متحف حي، أما الديكورات والأزياء، التي صممها عبد السلام بنفسه، تعكس اهتمامه الشديد بالتفاصيل التاريخية، مما يمنح الفيلم مصداقية نادرة.

مشهد أرشيفي آخر من فيلم ( المومياء ) للمخرج شادي عبدالسلام
مشهد أرشيفي آخر من فيلم ( المومياء ) للمخرج شادي عبدالسلام
فريق عمل موقع فلاش بــاك مع الأستاذ كمال رمزى ، الناقد السينمائى

يتجاوز “المومياء” كونه مجرد عمل فني ليصبح رسالة قوية عن أهمية الحفاظ على التراث الثقافي، إذ أنه من خلال قصة صراع بين عائلة تعيش على نهب المقابر وعالم آثار يسعى لحماية الكنوز التاريخية، يطرح الفيلم أسئلة عميقة حول علاقة الإنسان المعاصر بتاريخه وهويته. وهذا ما أوضحه الأستاذ كمال رمزى – الناقد السينمائى فى حواره مع فريق عمل موقع ” فلاش بــاك”

رغم أن الفيلم لم يحقق نجاحًا تجاريًا فوريًا عند عرضه، إلا أنه اكتسب مع الوقت مكانة مرموقة في تاريخ السينما إذ أصبح “المومياء” مصدر إلهام للعديد من المخرجين والفنانين، ليس فقط في مصر ولكن على مستوى العالم. عُرض الفيلم في مهرجانات سينمائية دولية عديدة، ونال إشادة النقاد والمختصين. 

بعض اللقطات داخل فيلم ( المومياء ) لشادى عبدالسلام
مشهد أرشيفي من فيلم ( المومياء ) – 1969
تايم لاين يوضح مراحل حياة شادى عبدالسلام

يظل “المومياء” شاهدًا على عبقرية شادي عبد السلام وقدرته على مزج الفن والتاريخ والسينما في بوتقة واحدة. رغم مرور أكثر من نصف قرن على إنتاجه، لا يزال الفيلم يثير النقاش والدراسة، مؤكدًا على قدرة الفن الحقيقي على تجاوز حدود الزمن.

“المومياء” ليس مجرد فيلم، بل هو تجربة فنية متكاملة تدعو المشاهد للتأمل في ماضيه وحاضره ومستقبله، إنه درس في كيفية صنع سينما جادة وعميقة، تحترم ذكاء المشاهد وتثري وعيه الثقافي.

زر الذهاب إلى الأعلى