عاطف الطيب.. رائد “الواقعية الجديدة”
في عالم السينما المصرية، برز اسم عاطف الطيب كأحد أهم المخرجين الذين تركوا بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن السابع، إذ عُرف بأسلوبه الواقعي الجرئ وقدرته الفذة على تصوير هموم المجتمع المصري بصدق وعمق.
– “سواق الأتوبيس” .. أزمة الطبقة الوسطى
شكل فيلم “سواق الأتوبيس” (1983) نقطة انطلاق حقيقية في مسيرة عاطف الطيب السينمائية. حيث استطاع الطيب من خلاله أن يقدم صورة صادقة وواقعية لأزمات الطبقة الوسطى في مصر خلال فترة الانفتاح الاقتصادي، ويروي هذا العمل قصة سائق أتوبيس يجد نفسه في صراع مرير بين واجباته العائلية ومتطلبات الحياة المتزايدة.
ما ميز “سواق الأتوبيس” هو قدرة الطيب على تسليط الضوء على التحولات الاقتصادية، والاجتماعية العميقة التي شهدتها مصر في تلك الفترة، وطرح من خلاله تساؤلات جوهرية حول مفاهيم الواجب والولاء في ظل هذه التغيرات، مما جعله يتجاوز حدود الترفيه ليصبح وثيقة اجتماعية هامة عبرت وبصدق عن تلك المرحلة من عمر الوطن. وهذا ما أوضحه الأستاذ سعيد شيمى – مدير التصوير خلال لقائه مع فريق عمل موقع “فلاش بـــاك”
– “الحب فوق هضبة الهرم” .. معاناة الشباب
في عام 1986، قدم عاطف الطيب تحفته الفنية “الحب فوق هضبة الهرم”، المأخوذة عن قصة قصيرة للأديب العالمي نجيب محفوظ. وتمكن من خلالها أن يقدم نموذجًا رائعًا لتحويل الأدب إلى سينما، مع الحفاظ على روح النص الأصلي وإضفاء لمسته الواقعية المميزة.
الفيلم يصور قصة شاب وفتاة من الطبقة المتوسطة يواجهان صعوبات جمة في إيجاد مكان خاص لهما بعيدًا عن أعين المجتمع، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية القاسية. ومن خلال هذه القصة البسيطة، استطاع الطيب أن يقدم صورة واقعية ومؤثرة لمأزق الشباب المصري في الثمانينات، والضغوط الاجتماعية الهائلة التي يواجهونها.
ومن أبرز ما يميز هذا العمل هو قدرة الطيب على تجسيد التناقضات بين الرغبات الشخصية والقيود المجتمعية، وعرض الصراع الأزلي بين الحب والحياة في مجتمع تحكمه التقاليد والظروف الاقتصادية الصعبة.
– “البرئ” يكشف آليات القمع
يعتبر فيلم “البرئ” (1986) من أكثر أعمال عاطف الطيب إثارة للجدل وتأثيرًا في الساحة السينمائية والسياسية المصرية ففي هذا العمل، قدم الطيب نقدًا صريحًا وجريئًا لآليات القمع السياسي في مصر، متجاوزًا الخطوط الحمراء التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
يروي الفيلم قصة جندي بسيط يتم استغلاله من قبل النظام لقمع المعارضين، ليكتشف في النهاية الحقيقة المرة: أن من يقوم بقمعهم هم في الواقع أبرياء مثله. ومن خلال هذه القصة، استطاع الطيب أن يطرح تساؤلات عميقة بشأن العلاقة المعقدة بين السلطة والفرد، ومدى تأثير القمع على البراءة الإنسانية.
“البرئ” لم يكن مجرد فيلم، بل كان صرخة احتجاج ضد الظلم والقهر، وشهادة على الأوضاع السياسية والاجتماعية المتوترة في مصر خلال تلك الفترة، ويُعد من الأعمال القليلة التي تجرأت على تناول موضوعات سياسية شائكة بهذا العمق والصراحة.
– تأثير عاطف الطيب في السينما العربية
رحل عاطف الطيب عن عالمنا، لكن إرثه السينمائي ما زال حيًا يتنفس في كل فيلم واقعي يُنتج في العالم العربي. استطاع الطيب من خلال أعماله أن يرسي قواعد مدرسة سينمائية فريدة تجمع بين الواقعية والنقد الاجتماعي والسياسي.
تميزت أفلام الطيب بقدرتها على مخاطبة الإنسان العادي وتصوير همومه وأحلامه بصدق وعمق. كانت كاميرته أشبه بمرآة تعكس واقع المجتمع المصري بكل تناقضاته وتعقيداته، مما جعل أعماله وثائق اجتماعية وسياسية هامة تؤرخ لحقبة مفصلية من تاريخ مصر الحديث.
اليوم، وبعد عقود على رحيله، ما زالت أفلام عاطف الطيب تُدرس في معاهد السينما وتُعرض في المهرجانات الدولية، شاهدة على عبقرية مخرج استطاع أن يحول السينما إلى أداة للتغيير الاجتماعي والوعي السياسي.