١٠٠ X ١٠٠

نجحت نقديا وفشلت جماهيريا.. ظاهرة “أفلام المهرجانات”

“المومياء” و”باب الحديد” و”العصفور” و”المهاجر”.. أفلام نجحت نقديا وفشلت جماهيريا ، “الأرض” و”الكيت كات” و”سواق الأتوبيس” .. حظت بالإقبال الجماهيري والحفاوة النقدية . 

بعض الأفلام التى حصلت على جوائز وفشلت جماهيريا

تُعَد السينما أحد الفنون التي تتداخل فيها العوامل الفنية والجماهيرية بشكل معقد. وفي تاريخ السينما المصرية، ظهر تباين ملحوظ بين الأفلام التي تحقق نجاحًا لافتا في المهرجانات السينمائية، والأفلام التي تحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا. على سبيل المثال، أفلام مثل: “المومياء”، “باب الحديد”، “الناصر صلاح الدين”، “العصفور”، “الطوق والإسورة”، و”المهاجر”، فشلت في تحقيق إيرادات عالية في شباك التذاكر، لكنها لاقت تقديرًا واسعًا في المهرجانات الدولية، وحصدت بعضها جوائز عديدة. 

هذا التناقض يثير العديد من التساؤلات حول أسباب هذا الانفصال بين التقدير النقدي والاحتفاء الجماهيري.

فريق عمل موقع “فلاش بــاك” مع الأستاذ أحمد سعد الدين ، الناقد السينمائى

– صراع الفن والجماهيرية فى السينما

الأفلام التي تنجح في المهرجانات غالبًا ما تتميز بجودة فنية عالية، ومحتوى معقد يتناول قضايا عميقة وفلسفية. هذا النوع من الأفلام قد لا يجذب الجمهور العام، الذي يبحث عن الترفيه البسيط والمباشر. الأفلام الجماهيرية تستهدف شريحة واسعة من الجمهور، وتسعى لتلبية تفضيلاتهم وتوقعاتهم، بينما الأفلام الفنية تُصمم لجذب نخبة من المشاهدين الذين يقدرون الجوانب الفنية والتجريبية في السينما. الأفلام الجماهيرية تحظى بحملات تسويقية ضخمة وواسعة النطاق، ما يساعدها على الوصول إلى جمهور كبير. على العكس، الأفلام الفنية قد لا تحصل على نفس القدر من التوزيع والتسويق، مما يحد من انتشارها بين الجمهور العام.

– العامل الزمنى وتأثيره على نجاح الأفلام

بالإضافة إلى ذلك، العامل الزمني يلعب دورًا هامًا في تفسير التناقض بين النجاح الجماهيري والحفاوة في المهرجانات السينمائية. توقيت عرض الفيلم يمكن أن يكون له تأثير كبير على نجاحه الجماهيري. إذا عُرض فيلم في فترة مليئة بالإصدارات القوية، أو خلال موسم ليس مفضلًا للسينما، قد يواجه صعوبة في جذب جمهور واسع، بغض النظر عن جودته الفنية. التغيرات الثقافية والاجتماعية أيضًا تؤثر على أذواق الجمهور مع الوقت، فما كان يُعتبر مثيرًا أو جاذبًا في فترة معينة، قد لا يكون له نفس التأثير في فترة أخرى. بعض الأفلام قد تكون سابقة لزمنها من حيث الأفكار أو الأسلوب الفني، مما يؤدي إلى عدم فهم الجمهور لها عند إصدارها الأولي. لكن مع مرور الوقت، يتغير السياق الثقافي والاجتماعي، وتصبح هذه الأفلام أكثر تقديرًا.

هذه الافكار، وغيرها، أكد عليها الناقد الفني البارز عصام زكريا- مدير مهرجان “القاهرة السينمائي الدولي”، وأحمد سعد الدين-  الناقد السينمائي، خلال حوارهما مع فريق عمل موقع ” فلاش بـــاك ” . 

حوار مع الأستاذ “أحمد سعد الدين” الناقد السينمائى , والأستاذ “عصام زكريا الناقد السينمائى ومدير مهرجان القاهرة السينمائى الدولى.
صورة أرشيفية من فيلم (الكيت كات – 1991)

– التكنولوجيا والزمن: إعادة اكتشاف الأفلام

التغيرات في التكنولوجيا السينمائية يمكن أن تؤثر على كيفية استقبال الأفلام. الأفلام التي كانت تُعتبر مبتكرة أو متقدمة تقنيًا في وقتها، قد تبدو قديمة أو عادية للجمهور الحديث. بالعكس، الأفلام التي لم تُقدر تقنيًا في وقت إصدارها، قد تُرى بشكل مختلف مع التقدم التكنولوجي الذي يسمح بإعادة تقييمها. أحيانًا، الفشل الجماهيري عند إصدار الفيلم، يمكن أن يعوضه تقدير النقاد والمهرجانات فيما بعد. النقاد والمهرجانات يلعبون دورًا في إعادة تقديم الأفلام للجمهور عبر الزمن. الأفلام التي تحصل على جوائز أو تقييمات نقدية إيجابية، قد تُعرض لاحقًا في دور السينما أو عبر وسائل الإعلام الأخرى، مما يمنحها فرصة ثانية لجذب الجمهور. مع مرور الوقت، يبدأ الجمهور والنقاد في إعادة تقييم الأفلام بناءً على تأثيرها واستمراريتها. الأفلام التي قد تكون فشلت في “شباك التذاكر” عند إصدارها الأول، يمكن أن تصبح لاحقًا جزءًا من “الذاكرة السينمائية الجماعية”، وتُعتبر من “كلاسيكيات السينما”. فالذاكرة الجماعية تؤثر بشكل كبير على كيفية استقبال الأفلام على المدى الطويل.

صورة أرشيفية من فيلم (الأرض – 1970)

– أفلام تجمع بين النجاحين النقدى والجماهيرى

رغم هذا التناقض، هناك بعض الأفلام التي نجحت في تحقيق المعادلة بين النجاح الجماهيري والنقدي، مثل: “الأرض”، “الكيت كات”، “سواق الأتوبيس”، و”العار”. هذه الأفلام تمكنت من جذب الجمهور، فضلا عن استحسان النقاد أيضًا، بفضل قصصها المثيرة والتقديم الفني الراقي.

يعتبر فيلم “الأرض” للمخرج يوسف شاهين، من الأفلام التي حققت نجاحًا كبيرًا على المستويين النقدي والجماهيري. الفيلم يتناول قصة صراع الفلاحين المصريين للحفاظ على أراضيهم، وقد لاقى إعجابًا كبيرًا بسبب موضوعه القريب من الناس، وأداء الممثلين القوي. 

وهناك فيلم “الكيت كات” للمخرج داود عبد السيد، الذي استند إلى رواية إبراهيم أصلان “مالك الحزين”، وتميز بمزجه بين الكوميديا والدراما، وتقديمه لشخصيات محببة وقريبة من الواقع، ما جعله يحظى بشعبية كبيرة بين الجمهور والنقاد على حد سواء.

صورة أرشيفية من فيلم (باب الحديد – 1956)

– أسباب فشل أفلام بارزة جماهيريا

على سبيل المثال، فيلم “باب الحديد” للمخرج يوسف شاهين، تناول قضايا إجتماعية جريئة ومعقدة في ذلك الوقت، مما قد يكون سببًا لفشله في “شباك التذاكر”، رغم أنه أصبح لاحقًا من الكلاسيكيات السينمائية.

كذلك كان “الناصر صلاح الدين”، رغم إنتاجه الضخم وإخراجه المتميز من يوسف شاهين، إلا أنه فشل في تحقيق النجاح الجماهيري المتوقع، ربما بسبب قضايا سياسية وتاريخية لم تثر اهتمام الجمهور الواسع آنذاك. 

فيما تناول فيلم “العصفور” فترة ما بعد نكسة 1967، وكان من الصعب على الجمهور العريض تقبل محتواه الثقيل والجاد في تلك الفترة. أما “الطوق والإسورة” للمخرج خيري بشارة، فتناول حياة أهل الصعيد وقضاياهم الاجتماعية، وهو ما جعله يجذب اهتمام النقاد أكثر من الجمهور العام. وفي فيلم “المهاجر”، تناول مخرجه يوسف شاهين، موضوعات فلسفية ودينية، وقد يكون سبب فشله جماهيريًا هو تعقيد الموضوع وصعوبة تلقيه من قبل الجمهور العريض.

فريق عمل موقع “فلاش بــاك” مع الأستاذ عصام زكريا ، الناقد السينمائى ومدير مهرجان القاهرة السينمائى الدولى

في النهاية، التناقض بين النجاح الجماهيري والحفاوة النقدية في المهرجانات، يعكس التباين بين ما يبحث عنه الجمهور العريض، وما يقدره النقاد والمختصين في السينما. فبينما تسعى “الأفلام الجماهيرية” إلى تقديم الترفيه البسيط والمباشر، تتطلع “الأفلام الفنية” إلى استكشاف القضايا العميقة والمعقدة. ورغم أن الأفلام التي تجمع بين هذين الجانبين نادرة، لكنها تظل مثالاً على إمكانية تحقيق التوازن بين النجاح النقدي والجماهيري. 

ويأتي “العامل الزمني” ليعكس كيف يمكن للأفلام أن تتطور، في تقديرها بين الجمهور والنقاد مع مرور الوقت. الأفلام التي قد تفشل عند إصدارها الأول،  قد تجد تقديرًا لاحقًا بفضل تغير الأذواق والتطورات الثقافية والاجتماعية، مما يؤكد أن السينما “فن حي” يتفاعل مع الزمن بطرق معقدة ومثيرة للاهتمام.

زر الذهاب إلى الأعلى