الكروس ميديالوكيشن

شاشات الزمن.. رحلة عبر تاريخ دور السينما الأسطورية في قلب القاهرة

في قلب القاهرة النابض، تقف أربعة صروح سينمائية شامخة، شاهدة على عصر ذهبي للفن السابع في مصر. سينما ريفولي، مترو، راديو وميامي – أسماء ارتبطت بذاكرة المصريين وشكلت جزءاً أساسياً من الهوية الثقافية للعاصمة. هذه الدور، التي شهدت ميلاد أعظم الأفلام المصرية وأحيت أمسيات لا تُنسى مع عمالقة الفن، تروي اليوم قصة تطور السينما المصرية وتحولاتها عبر العقود.

فيديو عن رحلة عبر تاريخ دور السينما الأسطورية

“سينما راديو”.. عميدة دور العرض

مجمع “سينما راديو” قبل وبعد الترميم

افتتحت سينما راديو أبوابها عام 1936 في شارع طلعت حرب، لتكون بذلك أقدم دور العرض الأربعة. بتصميمها الكلاسيكي الأنيق الذي يعكس الطراز المعماري للسينما القديمة، سرعان ما أصبحت وجهة رئيسية لعشاق السينما في القاهرة. على مدى عقود، قدمت راديو مجموعة متنوعة من الأفلام، من الكلاسيكيات المصرية إلى الأفلام العالمية الحديثة.

تاريخ مجمع “سينما راديو”

تم تسمية المبنى على أسم قاعة موسيقى راديو سيتي الشهيرة. تم تصميم المبنى من قبل ماكس إيدري بالتعاون مع الأرمن غارو باليان وفيكتور سلامة، اللذين تقع مكاتبهما في ملحق مكاتب السينما.

ويوجد على واجهة وممرات سينما راديو مجموعة كبيرة من المحلات التجارية المعروفة، مثل محل “الجلجلة” للممثلة المصرية سميرة أحمد، وشركة الأغذية المصرية “بسكو مصر”.


وفي عام 2009، استحوذت شركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري على مبنى إذاعة السينما، وفي عام 2011 قامت بإعادة ترميم المسرح بالإضافة إلى المساحات المكتبية والإدارية والتجارية، يستضيف المبنى الآن العديد من العروض والفعاليات.

من أبرز الأفلام التي عُرضت على شاشتها “الناصر صلاح الدين” (1963) و”الأرض” (1970) للمخرج الكبير يوسف شاهين، إضافة إلى الفيلم الرومانسي الشهير “حسن ونعيمة” (1959).

هذه الأفلام لم تكن مجرد عروض سينمائية، بل كانت أحداثاً ثقافية واجتماعية كبرى، جمعت المصريين من مختلف الطبقات والأعمار تحت سقف واحد.

“سينما ريفولي”.. من بريطانيا إلى قلب مصر

في عام 1948، افتتحت سينما ريفولي أبوابها في شارع 26 يوليو، لتضيف بعداً جديداً للمشهد السينمائي في القاهرة. في البداية، كانت الدار مملوكة لمنظمة رانك البريطانية وتختص بعرض الأفلام البريطانية. لكن بعد حريق القاهرة عام 1952، تغيرت الإدارة لتصبح مصرية، وبدأت في عرض أهم الأفلام المصرية.

شهدت ريفولي عروضاً طويلة الأمد لأفلام خالدة مثل “صراع في النيل” (1959) من إخراج “عاطف سالم” و “أم العروسة” (1963).

كما استضافت حفلات لعمالقة الطرب مثل فريد الأطرش وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ. في إحدى هذه الحفلات عام 1971، تعرض عبد الحليم للإغماء على مسرحها بعد إجهاد الجمهور له بطلبات تكرار أغنية “موعود”.رغم مكانتها التاريخية، واجهت ريفولي تحديات كبيرة. تعرضت للحريق مرتين، في 1952 و2018، وفي النهاية تم إغلاقها وتحويلها إلى أكاديمية للفنون المسرحية.

“سينما مترو”.. عصرية التصميم وروعة العرض

تميزت سينما مترو، الواقعة أيضاً في شارع طلعت حرب، بتصميمها العصري وديكوراتها الداخلية الأنيقة التي تماشت مع أسلوب السينما في الخمسينيات. بألوانها الجذابة ومقاعدها المريحة، قدمت مترو تجربة سينمائية فريدة لروادها.

من أهم الأفلام التي عُرضت فيها “المومياء” (1969) للمخرج شادي عبد السلام، والذي يُعتبر من روائع السينما المصرية. كما شهدت السينما عروضاً أولى لأفلام جديدة ولقاءات مع نجوم السينما، مما جعلها مركزاً ثقافياً مهماً في قلب القاهرة.

“سينما ميامي”.. الحافظة للتراث

تعد سينما ميامي من أعرق السينمات الموجودة حالياً في وسط البلد، وهي تحتفظ بشكلها وتقسيمتها التاريخية المميزة حتى يومنا هذا. تتكون من قاعة ضخمة تحتوي على 820 كرسياً في الصالة، و400 كرسي في البلكون، إضافة إلى 14 لوجاً.

                                          صورة أرشيفية من فيلم “الناصر صلاح الدين”

شهدت ميامي العديد من الأحداث المهمة، حيث كان نجوم مصر يقيمون فيها العروض الخاصة لأفلامهم. من بين هؤلاء النجوم سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، و”وحش الشاشة” فريد شوقي، والنجمة نادية الجندي.

من أبرز الأفلام التي حققت شعبية كبيرة في ميامي “باب الحديد” (1958) ليوسف شاهين، “الناصر صلاح الدين” (1963).

“إرث متواصل”

اليوم، تقف هذه الدور السينمائية الأربعة كشواهد حية على عصر ذهبي للسينما المصرية. رغم التحديات التي تواجهها في العصر الرقمي، إلا أنها تبقى وجهة مفضلة لمحبي السينما الباحثين عن تجربة أصيلة وفريدة.

هذه الصروح ليست مجرد دور عرض، بل هي كبسولات زمنية تنقل زائريها إلى حقبة كانت فيها السينما في أوج مجدها. إنها تمثل جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي للقاهرة، و تظل شاهدة على عصر كان فيه الذهاب إلى السينما حدثاً اجتماعياً وثقافياً فريداً.

مع استمرار هذه الدور في مواجهة تحديات العصر الحديث، يبقى السؤال وهو كيف يمكن الحفاظ على هذا الإرث الثمين وضمان استمراريته للأجيال القادمة؟

زر الذهاب إلى الأعلى