“المشاكس” محمد خان .. “حريف” الواقعية الناعم
في عالم السينما المصرية، يبرز اسم محمد خان كأحد أهم المخرجين الذين تركوا بصمة لا تُمحى على الشاشة الفضية، إذ عرف بقدرته الفريدة على تقديم رؤى إخراجية متنوعة، مع الحفاظ على هوية فنية متميزة.
حصل على الجنسية المصرية قبل رحيله بعامين بقرار رئاسي ليتوج نحو 40 عاما من العمل وأكثر من 20 فيلما وعشرات الجوائز في مهرجانات مصرية ودولية.
خان ولد في القاهرة يوم 26 أكتوبر 1942 لأب باكستاني وأم مصرية وبعد حصوله على الثانوية سافر إلى بريطانيا لدراسة الهندسة التي تركها ودرس السينما وألف بالإنجليزية أول كتاب عن تاريخ السينما المصرية بعنوان ” مقدمة للسينما المصرية” ثم عاد إلى مصر وأصبح من رموز الواقعية الجديدة في السينما المصرية.
صورة أرشيفية لفيلم خرج ولم يعد – 1958
صورة أرشيفية لفيلم سوبر ماركت – 1990
– نبض المجتمع
لم يكن محمد خان مجرد صانع أفلام، بل كان مرآة عاكسة للمجتمع المصري بكل تحولاته، فقد تمكن من خلال أفلام مثل “سوبرماركت” و”خرج ولم يعد”، أن يرصد التغيرات الاجتماعية والسياسية في مصر بعين ثاقبة وحس مرهف، لتكون أفلامه بمثابة وثائق حية تسجل نبض الشارع المصري وهمومه، مما جعلها تتردد صداها في قلوب الملايين.
صورة أرشيفية لفيلم أحلام هند وكاميليا – 1988
– من تجارب شخصية إلى إبداع سينمائي
ما يميز أعمال محمد خان هو قدرته على تحويل تجاربه الشخصية إلى مادة سينمائية غنية، إذ أن نشأته في بيئة متعددة الثقافات انعكست بوضوح في أفلامه، مضيفة عليها عمقاً وأصالة لا مثيل لهما.
في فيلم “أحلام هند وكاميليا” نجح خان في تقديم صورة حية ونابضة للحياة اليومية للطبقات الاجتماعية المختلفة، مستمداً إلهامه من ملاحظاته الشخصية ومعايشته للواقع.
صورة أرشيفية لفيلم زوجة رجل مهم – 1988
– أسلوب يأسر القلوب
تميز محمد خان بقدرته الفائقة على ابتكار أساليب سردية غير تقليدية تشد المشاهد وتأسر مشاعره، ففي فيلم “زوجة رجل مهم”، استخدم خان تقنيات سرد مختلفة وتلاعب بالزمن بطريقة مبتكرة، مما أضفى على الفيلم توتراً درامياً فريداً عكس تعقيدات الشخصية الرئيسية وصراعها مع السلطة.
– بصمة فنية لا تخطئها العين
رغم تنوع الكتاب الذين تعامل معهم، استطاع محمد خان الحفاظ على هوية فنية متميزة في جميع أفلامه، حيث تميز بقدرته الفائقة على إدارة الممثلين وتوجيههم بما يخدم رؤيته الإخراجية، كما برع في استخدام التكوين البصري والإيقاع السردي لخلق لغة سينمائية خاصة به، تجعل من السهل التعرف على أفلامه حتى دون رؤية اسمه في شارة البداية. وهذا ما أوضحه الأستاذ سعيد شيمى – مدير التصوير خلال لقائه مع فريق عمل موقع “فلاش بـــاك”
– رؤية شاملة تتجاوز حدود الشاشة
ما ميز محمد خان عن غيره هو امتلاكه لرؤية شاملة وعميقة لكل فيلم قبل الشروع في تصويره، أهلته لأن يكون قادرا على معالجة القضايا من زوايا متعددة، مع الحفاظ على خيط رابط يوحد هذه القضايا تحت مظلة أسلوبه الإخراجي الفريد، هذه القدرة مكنته من تقديم أفلام متنوعة في موضوعاتها، لكنها تحمل جميعها توقيعه الفني المميز.
ويبقى محمد خان أحد أعمدة السينما المصرية الذين استطاعوا الجمع بين التنوع والتفرد في آن واحد، مقدما للسينما العربية إرثاً غنياً من الأفلام التي تعكس واقع المجتمع المصري بكل تعقيداته، مع الحفاظ على أسلوب فني متميز. ستظل أعماله شاهدة على عبقرية مخرج استطاع أن يحول الواقع إلى فن، والتجارب الشخصية إلى قصص تمس قلوب الملايين.