“الواقعية الجديدة”.. ركيزة تحولات عميقة في المجتمع المصري
الواقعية الجديدة في السينما المصرية ليست مجرد حركة سينمائية، بل هي انعكاس لتغيرات اجتماعية وسياسية وثقافية عميقة. ظهرت هذه الحركة كتحدى للأفلام التقليدية التي كانت تهيمن على الساحة، وقدمت بديلًا يعكس الواقع المصري بكل تعقيداته وتناقضاته. من خلال أسلوبها البسيط والصادق، نجحت في جذب انتباه جيل كامل من المخرجين والجمهور على حد سواء.
في هذا المقال، سنستعرض تأثير هذه الحركة من خلال بعض الأفلام التي أصبحت رموزًا للواقعية الجديدة في السينما المصرية، وهذا ما أشار إليه الأستاذ أمير أباظه الناقد السينمائى ، الأستاذ أحمد سعد الدين الناقد السينمائى ، وأخيرا الأستاذ عصام زكريا الناقد السينمائى ومدير مهرجان القاهرة السينمائى الدولى خلال حوارهم مع فريق عمل موقع ” فلاش بـــاك “.
“العزيمة” (1939) : البذرة الأولى للواقعية في السينما المصرية
يُعتبر فيلم “العزيمة” للمخرج كمال سليم، أولى المحاولات الجادة في تقديم السينما الواقعية في مصر. الفيلم يحكي قصة كفاح شاب من الطبقة المتوسطة يسعى لتحقيق طموحاته في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة. هذه القصة البسيطة والمباشرة، التي تم تصويرها في أماكن حقيقية وباستخدام شخصيات قريبة من الواقع المصري، كانت بمثابة حجر الأساس لحركة الواقعية التي ستزدهر فيما بعد. “العزيمة” لم يكن مجرد فيلم، بل كان إعلانًا عن ولادة نوع جديد من السينما، يسعى لكسر القوالب التقليدية ويقدم صورة صادقة عن المجتمع المصري.
“سواق الأتوبيس” (1982): صورة مؤثرة للمجتمع المصري
فيلم “سواق الأتوبيس” للمخرج عاطف الطيب هو أحد أهم أفلام الواقعية الجديدة في السينما المصرية ومصطلح “الواقعية الجديدة” هنا ظهر مع بداية الثمانينيات. يحكي الفيلم قصة سائق أتوبيس يكافح من أجل الحفاظ على كرامته وعائلته في ظل ظروف اقتصادية خانقة. الواقعية هنا لا تقتصر على التصوير أو الأداء، بل تمتد إلى الموضوعات التي يناقشها الفيلم، والتي تمس حياة الناس اليومية بشكل مباشر. المخرج “عاطف الطيب” استخدم أسلوبًا واقعيًا في سرد القصة، مما جعل الفيلم يعكس واقع الطبقة المتوسطة في مصر مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، وهو واقع مليء بالتحديات والصراعات خاصة مع بداية الانفتاح الاقتصادي.
“أحلام هند وكاميليا” (1988): واقعية الحياة اليومية للنساء البسيطة
محمد خان، أحد أبرز مخرجي الواقعية الجديدة، قدم في فيلمه “أحلام هند وكاميليا” رؤية جديدة للواقعية التي تركز على قضايا النساء في المجتمع المصري. الفيلم يقدم نظرة عميقة وصادقة على حياة امرأتين من الطبقة الدنيا تعملان كخادمتين في المنازل، حيث يعكس الفيلم معاناتهما اليومية في مواجهة الفقر والظلم الاجتماعي . بهذا، يعد “أحلام هند وكاميليا” من أفلام الواقعية الجديدة التي تسلط الضوء على الطبقات المهمشة في المجتمع، وتقدم صورة صادقة ومؤثرة عن حياتهم ومعاناتهم.
امتداد الواقعية الجديدة وتأثيرها على السينما المصرية
الواقعية الجديدة لم تكن مجرد موجة عابرة، بل كانت بمثابة ركيزة أساسية أثرت على أجيال من المخرجين المصريين. أفلام مثل “البريء” (1986) لعاطف الطيب و”أحلام هند وكاميليا” (1988) لمحمد خان، قدمت قصصًا تعكس هموم ومشاكل الناس، واستمرت في استكشاف جوانب مختلفة من الواقع المصري. هذه الأفلام لم تكن تهدف فقط إلى عرض الواقع، بل سعت أيضًا إلى تحليل هذا الواقع ومحاولة فهمه وتقديم رؤى جديدة للجمهور.
في النهاية، الواقعية الجديدة لم تكن مجرد مرحلة في تاريخ السينما المصرية، بل كانت حركة ساهمت في تشكيل وعي سينمائي جديد، ووضعت أسسًا استفاد منها المخرجون لاحقًا لتقديم سينما أكثر جرأة وصدقًا في التعبير عن قضايا المجتمع.